الخميس، 31 يوليو 2014

أيها الكاتب .. لا تجعل قلمك ينكسر على حافة الصمت

أيها الكاتب .. لا تجعل قلمك ينكسر على حافة الصمت

عندما تحمل قلمك أيها الكاتب وتشعر بان خجلا يعتريك، وأنك عاجز أن تحركه من محبرتك، أو تدون به على أوراقك وصفحاتك، لأنه ملَّ من اختياراتك ومن ذوقك ومن جمودك على أفكار انقضى أجلها.
فأنت ما زلت تكتب بنفس أسلوبك، تختار من قاموسك كلمات أنت لا تشعر بها، لأنها لا تعبر عن شخصيتك، ولا عن المبدأ الذي تؤمن به، ولا القيم والفضائل والأعراف والتقاليد التي تربيت عليها، إنما تكتب فقط لتشعر بأنك كاتب مبدع وموهوب، وهنا قد يسخر منك الورق والحبر، وتخونك فكرتك فتختار ما أنت ترفضه، وتقبل ما أنت تعترض عليه، وتوافق على ما تنقده وتكرهه، وتمر السنوات فتكتشف بعدها أنك فرطت في كثير مما تعلمته أو حفظته، وتنازلت عن موهبتك وهويتك واستقلال فكرك وحريتك، وأن قلمك انكسر على حافة صمتك وخوفك وعجزك.,


حينها ستشعر بأنك تجلس على عرش الكلمة مزهوا بانتصاراتك، تفتخر بمكتبتك العامرة بكتبك وأوراقك وأقلامك، طروبا بساعاتك التي تمضيها جالسا تفكر بأشياء قديمة، مع أنك تعلم أنها مضت ورحلت وما عاد لها وجود إلا بذاكرتك، وأنك اليوم تعيش تاريخا جديدا يفرض عليك أن تبعث معنى جديدا، مرتبطا بواقعك وزمانك ومكانك، ومنسجما مع ما يجري حولك، لأن أفكارك ترحل ولا تظل حبيسة مكتبك,

وهذا يستدعي أن تختار أولا لغة مشتركة تخاطب بها كل هؤلاء الذين حولك، حتى أولئك الذين يختلفون معك في عقيدتك أو مذهبك وطريقة تفكيرك .

أنت تحتاج لتتجول عبر العالم بفكرك وبتاريخك وبقلمك، تطرق أبواب لم تلجها، وتخاطب عقولا لم تناقشها أو تحاورها، وتخالط جنسيات مختلفة، تتعرف على أفكارها وثقافاتها، وتقاليدها وعاداتها ..
فتتقدم بقلمك وترتقي بفكرك، وتنفتح على عالم أوسع من عالمك، ومحيط أكبر من محيطك، ستألف مخالطة ما هو مغاير لكل ما تعودت عليه، ومحاورة من كنت ترفض أن تحاوره، ستجد نفسك تنصت لرأيه وترد عليه وتقنعه، ولكن بدليل الشرع والعقل، وستكلمه بلغة يفهمها حتى ولو كانت لغته، تتقنها لتبلغه وتقنعه بما تحمله من حق أنت تنتصر له أو تدافع عنه .
حتى تستطيع أن تنتج ما يستحق أن نسميه إنتاجا علميا جديدا، جِدَّته تظهر في فكرته وطرحه كما في اختيار موضوعه وتوجيه مقصده، وحتى في لغته وخطابه بشموليته
..

ستتنوع حينها اختياراتك وستنمو أفكارك كما ينمو الزهر في البساتين، وسيجري على لسانك حروف كلماتك، فتنساب انسياب الماء في عذوبته وصفاءه، وسينطق القلم ويفصح ببراعة مواهبك.
حين تتحرر من تخصصك وتتحول لكاتب موسوعي، قادر على أن يخاطب كل فئات المجتمع، فتجد نفسك تارة تكتب للطفل الصغير وتعبر بلسانه، وتارة تكتب للشاب في قوته ونشاطه وحيويته، وتكتب للكهل في نضجه وسمو فكره واتزانه، وتكتب للشيخ في حكمته وتنوع تجاربه، وتكتب للرجل وللمرأة، ولكل الأعمار، فتنتقل بقلمك عبر أطوار الحياة التي مررت بها أو التي لم تعشها بعد .
ستختار في كل مناسبة قصة موضوع جديد، هو انبعاث لفكر جديد وأسلوب جديد وخطاب جديد، ستمثل أدوارا كأدوار الحياة المختلفة، حتى ولو ما عشت تلك التجارب ولا المواقف ولا الأحداث، ولكنك خزنت بداخلك رصيدا جمعته عبر أطوار حياتك، وآن لك أن توظفها ولكن بإنتاج وإخراج فني مبدع، يخاطب جمهورا عالميا من القراء، على اختلاف جنسياتهم وألوانهم واشكالهم وأفكارهم وعقائدهم (...)لأنك بطل بقلمك وبجرأته التي تدعوك أن تواجه صمتك وخوفك وضعفك وخجلك.. وأن تختار موضوعاتك وكتاباتك بعناية، وتحرص أن تلبي أذواق جمهور قرائك، الذين
يحلمون أن تهبهم السعادة، وأشياء جميلة يفتقدونها بحياتهم، وأن تهديهم عقدا فريدا منظوما من كلماتك واختياراتك، فتلزمهم احترامك وتقديرك، لأنك كسبت وبجدارة ثقتهم بكلمتك، وبمبدئك، وبصدقك، وبأسلوبك، وبفكرتك، وبرسالتك..
وكأنك تعيش معهم بقلمك، تسمع صوت أنينهم لحظات الألأم والوجع، وصوت فرحتهم لحظات النشوة والبهجة، وصوت همسهم وصمتهم فترات راحتهم وهدوئهم، وصوت صراخهم فترات ثورتهم وتمردهم وجموحهم..


إنك أيها الكاتب تمتلك بقلمك أن تكون سلطانا على عرش القلوب، فيحبك جمهورك من القراء، لأن كل واحد منهم يجدك تحلم معه، ترسم بقلمك لوحته التي فقد ألوانها وريشتها، تبحر بقلمك وتتحرك بداخله، فتقرأ ما دونه وسجله سنوات عمره في ذاكرته، فتعبر عن كل الصور والمواقف والتجارب التي قرأتها، بصوت الحروف والكلمات التي تمتلك قاموس لغتها الأصيلة وببراعة إبداعك .
إنك أيها الكاتب سفير الكلمة الصادقة المخلصة، وبقلمك تقدر أن تكسر حاجز الصمت الذي يخرس ألسُناً عن التعبير، وتنطلق في فضاء المعرفة بأجنحتك، فتلتقط ما يناسب الأذواق والأشخاص والمجتمع بكامله .
لقد تعب القارئ من أقلام انكسرت على حافة الصمت، ومن أقلام تشعر بالهزيمة وبالخوف وبالضعف، ومن أقلام تحجر على الكلمة، وتقتل المعنى، وتدمر الفكرة، وتحجزها داخل عالم مظلم جامد .
إن القارئ اليوم ينتظر أقلاما تستيقظ من غفوتها، وتتخلص من عجزها وجمودها، فتهب نشطة تنطلق كالسهم يصيب الهدف .



وأقلاما تنمو وتربو كالعشب الخضر، تبعث ألف فكرة، وتنهض برسالة تبلغها لأبعد من المكان والزمان الذي يعيشه الكاتب ..
أقلاما ترحل بأفكارها تنشرها، وتذيع انتصاراتها ونجاحاتها، وتترجم للعالم بلغات مختلفة ما تمتلكه من رصيد معارفها وكنوز ثقافتها، وقيمة تراثها وتاريخ أبطالها، وحكايات امجادها، وتاريخ حضارتها وعقائدهما ومذاهبها ..
أقلاما تتفوق ببريق الكلمة، وفصاحة الأسلوب، وجمال اللغة، وسلطان الفكرة، فترتقي قمم المجد باستحقاق .



إن القارئ اليوم يبحث عمن يستوعب همومه ومشاكله وهزائمه وانتصاراته، من يستوعب كل ما يجري حوله بمنطق فكره ومستوى إدراكه ..
وأنت أيها الكاتب مسؤوليتك اليوم أشد وأعظم، لأنك تواجه التزامك بحق القارئ لكلمتك، وهذا لك تكليف وتشريف لرسالتك .
صحيح أنك ستظل إنسانا لن تسعد كل هذا الجمهور من القراء، ولكنك اخترت وبحرية أن تحمل أمانة الكلمة، فلا يحق لك أن تكسر قلمك أو تستعبده ليحقق أطماعك ولا أطماع غيرك، كما لا يحق لك أن تجعله نسخة منك، يعكس غضبك وفرحك، أو يترجم نجاحك أو فشلك، إنما هو قلم حر مستقل يعبر عن كل قارئ اختارك لتكون سفيره .



وأنت اخترت أن توقفه وتحبس منفعته وريعه على كل هؤلاء الذين استأمنوك على أن تكون الناطق بلسانهم، والعقل المفكر الذي ينتج أفكارهم ويمثل أدوارهم .
أنت أيها الكاتب تصنع بقلمك أحلام الصغار، وأفراح الشباب، ونضج الكهول، وحكمة الشيوخ، أنت تصنع تاريخ هؤلاء بكلمتك .
فلا تحمله إلا إذا ارتقيت بفكرك وبمعارفك وتجاربك وعواطفك، وكنت كفؤا لحمل رسالته ناجحا في إنزاله في مواطن التشريف، حتى يظل لامعا ذهبيا، حرا أبيا عزيزا .
ولتعلِّم أيها الكاتب بقلمك كيف تصنع الكلمة أمة، وكيف يرفع القلم القارئ في دينه وأخلافه وأفكاره ولغته وثقافته..
ولتربي أيها الكاتب بقلمك أجيالا، التربية والتهذيب الذي يهيئ رجالا ونساء تفتخر بهم الأمم، ولتخلد بكل حرف أو كلمة تاريخا وعلما ينتفع به الناس، فيظل اسمك مشرقا في قلوب الناس، لا يموت ذكرك على حافة الصمت، ولو انتهت ساعات عمرك وانقضى أجلها .




واجعل قلمك سفيرا عالميا، وممثلا رسميا لأصوات اخترت أن ترشح نفسك للدفاع عنها وحماية حقوقها ..
علم جمهور قرائك أن نجاح الكاتب حينما يبلغ رسالته بصدق وأمانة، وحينما يصنع بقلمه بعثا جديدا لأقلام لا تنكسر، إنما تنجب أقلاما جديدة، ناطقة بلسان الأمة وتاريخها، أقلاما ستظل خالدة لأنها الإرث الذي لا يفنى
.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق