الاثنين، 8 سبتمبر 2014

الرداحون الجدد Mohamed Elsayedfrd بقلم استاذ دكتور محمد السيد


Mohamed Elsayedfrd بقلم استاذ دكتور محمد السيد

 


تحياتى إلى كل الزملاء والأحبة. إليكم مقال قصير كنت قد نشرته على الفيسبوك منذ عدة سنوات، واكتشفت أنه ما زال صالحاً للنشر مرة أخرى، وأريد أن أسمع رأيكم، هل أنا مبالغ فيما أقول؟


الرداحون الجدد

الردح كلمة عامية مصرية تضرب بجذورها فى أزمنة بعيدة، وتصف هذه الكلمة في الغالب سلوك بعض السيدات اللائي يقفن على قارعة الطريق ويبدأن في سب شخص معين تعرض لهن ببعض السوء، وكثيراً ما يفعلن ذلك لمجرد التسلية أو إثبات الذات أو البرهنة على السيطرة والنفوذ
وللردح النسائي قاموس معتبر من السباب والشتائم التي يندى لها الجبين والتي تتطور أحيانا لتشمل ألفاظ وعبارات بل وإشارات بدنية ذات إيحاءات جنسية يعاقب عليها القانون. ويسود الردح غالبا في المناطق الشعبية والعشوائية بطبيعة الحال. ولا تتوقف الرداحة عن ردحها إلا إذا شعرت بالانتصار أو إذا أخرستها رداحة أخرى تفوقها في الردح.
وغالبا ما تتميز الرداحة بالجبن والخسة والفرار من أى مواجهة تستند إلى التفكير أو إعمال العقل. وقد ظلت هذه الظاهرة عبر السنين الماضية محصورة في الأماكن العشوائية كما ظلت حكرا على ذلك اللون من النسوة، غير أن الأمر بدأ يتغير كثيرا فى السنوات القليلة الماضية، فقد بدأ يلج سوق الردح نفر من الناس بينهم كثير من الرجال من أوساط اجتماعية وثقافية متباينة وبدأ هؤلاء الرجال يتفوقن على النساء فى سوق الردح، فالآن هناك رداحون في مجال السياسة ومجال الثقافة بل ومجال العلم والعمل الجامعي، وأخيراً وليس آخراً مجال الإعلام.
ولا يختلف الرداحون الجدد من الرجال عن نظرائهم من النساء فما يختارونه من ألفاظ تضاهى فى بذاءاتها سباب الرداحات التقليديات، بل وتفوقها في كثير من الأحيان.
وسوف أحدثكم عن نموذجين من نماذج الردح المعاصر؛ الأول من مجال العمل الجامعي، والثانى من مجال الردح الإعلامى. أما الرداح الأول فهو أستاذ جامعي له أسلوب مميز في الردح يجمع فيه بين تملق الآخرين والزعم بمعرفة أعلام الفكر وأساطين الأدب والاقتراب منهم، ثم البدء في سب الآخرين في فاصل من الردح يصل إلى حد ما يسمى بفرش العباءة وهو ما يضاهى فرش الملاءة عند الرداحات المحترفات. ولا يختار الرداح إلا من رحلوا عن الحياة من أعلام الفكر ليزعم صلته بهم، فيتحدث تارة عن سلامة موسى وأخرى عن زكى نجيب وثالثة عن فؤاد زكريا، وقد يشطح به الخيال فيتحدث عن علاقة حميمية جمعته بنجيب محفوظ وذكريات لا تبلى مع يحيى حقي وأمسيات قضاها مع لطفى السيد ومداخلات ومعارك خاض غمارها مع توفيق الحكيم، وفى صالون العقاد كانت له أيام.
وحين يبدأ الرداح وصلته المعتادة فى السباب لا تستطيع أن توقفه أو تتصدى له اللهم إلا إذا توافرت لديك القدرة لتجاريه في الردح وهو أمر يصعب على الكثيرين.
ويبدأ الرداح هجومه مستندا إلى العديد من المغالطات المنطقية من قبيل التجريح الشخصي وتسميم البئر وغيرها من المغالطات التى يعرفها دارسو المنطق، فالكل فاسد والكل سارق أو مرتشى، ولا يوجد من يستحق الثناء أو التقريظ اللهم إلا حفنة من تلاميذه الفاسدون الذين يتفانون في تقليد أستاذهم بطرق كثيرة تثير السخرية والرثاء، وهم على كثرتهم فشلوا، وهذا يحسب له، في الوصول إلى قامته المديدة في الردح والسباب.
ولا يمل الأستاذ الرداح من الإلحاح على المستمعين أن يصدقوه، وهو يفعل ذلك مرارا وتكرارا لأنه يعلم في دخيلة نفسه أنه كاذب، وهذا الأمر يعبر عن حيلة سيكولوجية معروفة.
ويشارك الأستاذ الرداح نظيراته من الرداحات التقليديات الكثير من الصفات حتى أن نبرات صوته باتت تقترب كثيرا من نبرات أصواتهن الذي يعلو وينخفض ويتهدج ويتماوج ويرتعش ويتراقص وفق الموسيقى الداخلية لوصلة الردح المنتقاة.
ويتحاشى الرداح في الغالب الأعم الحديث عن الآخرين حال تواجدهم، لكنه لا يتوانى عن بدء وصلته أثناء غيابهم مما يجعله أخس وأدني من الرداحات المحترفات، فهن على الأقل يردحن في وجه خصومهن. ولا ينى الرداح يحدثك عن مؤلفاته وانجازاته ومقالاته التي لا تساوى وزنها ترابا. والكل يعلم إن هي إلا مقال واحد تعددت فيه الأسماء. ومما يثير الدهشة أن الرداح كثيرا ما ينقلب ليذم من كان يمدحه بالأمس أو يمدح من كان يسبه، ولا تتعجب كثيرا فللردح خبايا وأسرار لا يعلمها إلا الراسخون فى الردح من أمثال الرداح الأكبر. ولا تظن إنك تستطيع الإفلات من شتائم الرداح، إذا تظاهرت باحترامه، فهذا النمط من البشر لا يجدي معه الاحترام فتيلا.
وأخيرا أنصحك إذا صادفت الرداح أن تفر منه فرار السليم من الأجرب، فإذا لم تفلح وأظنك لن تفلح، وأمسك بتلاليبك فلا أملك إلا أن أنصحك أن تلوذ بالصمت مرددا قول الشاعر:
إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرجت عنـه وإن خليته كمدا يمـوت

وسوف أحدثكم المرة القادمة عن الرداح الأعظم فى مجال الإعلام. ما رأيكم دام فضلكم؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق